الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

ظل يكسره الضوء -٣

والشرر يتطاير من عينية ، وطبعا لا نستطيع ان نقف ونقول له تشرفنا بمعرفتك نحن جيرانك من الشارع الثاني أنا يوسف وهذا صديقي خالد  هذا مستحيل فلو امسكنا هذا المتحجر لجعلني يوسف إلا نصف وجعل خالد يسير على مؤخرته . كان الهرب أفضل وسيله لنا . بعد نصف ساعة كانت الشرطة تقف امام منزلنا إنها مصيبة هل رأفت الهجان يعيش في حارتنا إذن كيف عرفوا بهذه المدة البسيطة منزلنا ، اللعنة على الجواسيس ، فاليسقط الخونة لا نامت اعين الجبناء . صديقي خالد كان ينتظرني في دورية الشرطة  قلت له : أوقعت بي أيه القذر ؟ اخبرني انهم أجبروه على الإعتراف . إقتادونا إلى مخفر الشرطة وحولونا إلى مباحث المخفر . من أول صفعة انالها من يد احد أفراد المباحث احسست بلذة تسري في عروقي ، انا مجرم ، أنا مطلوب للعدالة ، فالتسقط المنطقة . أحذروا يا أهالي المنطقة أغلقوا الأوبواب عدوا أصابعكم قبل النوم وبعد النوم ، لا تناموا وملابسكم الداخلية معلقة بالخارج . صفعة ثانية من رجل المباحث وأحسست بأن دموعي تخرج  من أذني ، السيارة لم تحترق ورجل المباحث لا تهمة السيارة يريد أن يعرف من هم اللصوص في حارتنا وماذا سرقت أنا ، ويريد مني أن اعمل مخبر لأشكاله . لم أتعدى الثامن من عمري ويريدون مني أن أعمل مخبر ! اعتقد بأنهم سيطلبون مني أن أكون قاتل مأجور عندما أصل إلى العشرين من العمر . لا أعلم ماذا حدث ولكنني خرجت وصديقي خالد بعد ساعتين من التعذيب والترهيب  . من هنا راودتني فكرة ترك المدرسة ، أعتقد أنني أردت أن أتفرغ للإجرام ! تركت أصدقائي بعد مغادرتي المخفر ، كان هناك طريق ينتظر مني أن أسلكه . كل من يريد أن يدخل عالم الإجرام يمر عبر ( عليً ) وقريباً جداً سألتقي به ، من الصعب العيش في هذه الحياة وأصدقائك مجرد أبطال مسلسلات كرتونية يعيشون في عالم الخيال أغلبهم لازال يتبول في فراشه يجب أن يتغير هذا العالم يجب أن نعيش العالم الحقيقي بجميع قذارته وقسوته ، إن البقاء مع عبقرينو ودينار وإشكالهم هو أن تستيقظ وتجد نفسك وحيداً . ألا يكفي بأن يموت الإنسان ويدخل القبر وحيداً وتريدون منه أن يعيش وحيداً مع هؤلاء الظل انهم ما أن تغيب الشمس حتى يختفون . أريد أن اشعر بوحشة الليل وظلمته وخوفه أريد أن أمر عبر علي هذا المتوحش الغجري هذا الذي أقسم على ان يعيش حياته بخفة يد ووقاحة . كنت اعتقد ان عبدالله هو المجرم الوحيد الذي سأصاحبه ولكنني مخطأ ، أيام قليلة وسأرافق من يسبقه بعقدين من حياة الإجرام والتسكع والنوم فوق الرصيف والسرقة ، كان علي بالنسبة لنا كالكابوس ما أن يمر أسمه حتى ترتعد فرائصنا من الخوف وما عشته في المخفر ألقى الحاجز الذي بيني وبين أسمه وجعلني أتشوق لمعرفته والدخول إلى عالمة ، اعرف أين يجلس سأذهب إليه في صباح اليوم التالي . عندما استيقظت من النوم ارتديت ملابسي وخرجت من نافذة الحمام مع ان الباب لم يكن مغفلاً ! من العار أن أقابل علي وانا أخرج مثل ما تخرج الفتيات الصغار من بيوتهن ، أخرجت سجائري من المخبأ السري وذهبت إليه . كلف البيوت من الجهة الغربية منطقة صحراوية لم تستغل إلى الآن نطلق عليها أسم البر وعلي موجود في هذا المكان أشعلت سيجارة وانطلقت إليه ، أشتم رائحته أعرف بأنه قريب مني ، أنه هناك يرتدي  الفروة كأنه آخر ما تبقى من الزنوج الحمر . ألقيت عليه التحية وما أن رأى السيجارة في فمي حتى كان رد أحسن من تحيتي كأنني أتحدث مع إمام المسجد ، حاولت أن أبين له بأنني مارٌ من هنا فقط وسألته مع أنني آخر العنقود عن أخ أصغر مني هل رآه . طلب مني الجلوس وأخبرني انه لم يرى أحد منذ الفجر ، جلست وقدمت له سيجارة قال لي بأنه لا يدخن هذا النوع من السجائر ولكنه سيدخنها من أجلي ، هو لا يريد أن يخسرني من أجل سيجارة  . تحدثنا كثيراً حتى آخر سيجارة في علبتي . أخبرته عن جرائمي وعن محاولتي لحرق السيارة ، كنت أكذب فقط أردت أن أبين له أنني خلقت مجرماً قلت له بأنني حاولت أن أحرق السيارة لمجرد أن أبن صاحبها نظر إلي باحتقار فقال: ترى ما كنت ستفعل لو انه ضربك ؟ أخبرته بأنني لا أستطيع أن أتصور ما كان سيحدث لو انه ضربني . بعد هذه الجلسة أصبحت اعز أصدقاء عليُ . إن نجاحي باكتساب الصديق هو بقدر سقوطي في اختيار الصديق ، أعتقد أن هذه المعادلة صحيحة في النسبة والتناسب فالخسارة تشوه النجاح هكذا هي الحياة يجب أن تكون ناقصة دائماً . تركته على موعد لقائه في الغد .

 

لكل مكان سيكولوجية معينة للضياع في منطقة الجهراء للضياع أشكال عدة ، بالمناسبة أنا لم أخبركم أنني أسكن في مدينة الجهراء هذه المدينة التراثية ، الموغلة بالقدم منذ معركة ذات السلاسل إلى معركة القصر الأحمر ، رغم أنها خارج السور إلا انها سبب رئيسي في بقاء السور ، مع أنني لا اعلم ما هو السور حتى هذه الساعة ،  الجهراء هذه المدينة الممزوجة بالحلم وحليب الأمهات ونكهة البن الشمالي . هذه الموغلة برائحة البارود ولون العبائه وسمفونة الحناء . بشوارعها وأبنائها ، هذه المدينة المتشحة بالعفة ، كلما زاد عدد السنون التي تقضيها في هذه المدينة ، كلما زادت فرص خروجك معقداً منها ! هذه الأنثى البتول ، التي ما أن تبتسم حتى يراودها الحزن عن نفسها ، هذه المدينة الصامتة التي لو تحدثت لتقاطر دم الفٌرس من مخارج حروفها وخالد أبن الوليد يصرخ برجاله : إلى الأمام يا رجال إلى الأمام  . ذات السلاسل التي وقعت على مشارف مدينة الجهراء والتي كانت بين الفرس والمسلمين وكان النصر حليف المسلمين . كانت الجهراء شاهدة على هذه الواقعة ، وعلى الكثير من دموع الأطفال ونحيب النساء .

 

الرتابة تقتل الموهبة ! كل يوم خميس يأخذنا والدي إلى بيت جدي ، نتناول طعام العشاء ونعود للبيت تتذمر والدتي من الطعام في بيت جدي ، كأنها لا تعرف شيء غير الطعام يال سذاجة الأمهات ، أعطوني سبب واحد يجعل أبي يتمسك بها أعطيكم حياتي ! لا توجد في والدتي مميزات ، وحتى لو أنها كانت جميلة في السابق ، فلقد أكل الدهر عليها وشرب في الوقت الحالي لا اعلم لماذا أبي يتمسك بها ، تغضب كثيراً وتذهب إلى بيت أهلها ، ولكن أبي يعود بها في اليوم التالي . اعتقد أن هناك حلين لا ثالث لهما اما ان يكون أبي قليل ذوق أو أن أمي تتحول إلى سلمى حايك بعد مغيب الشمس . أنا أحب أمي وأقسم لكم على هذا ، ولكن متى سنتحدث بمنتهى الصراحة ، بالنسبة لي لا أريد أن أموت وأنا احمل شيء في قلبي ، أريد أن أتحدث بكل صراحة . الحياة مؤلمة والذي يجعله أكثر إيلاماً هو ان نموت وفي قلوبنا أشياء عجزنا عن البوح به . أبي شخص أقل من عادي ، يذهب إلى العمل ويعود ، ينام حتى السادسة مساءً ثم يعود يذهب إلى الديوانية ويعود ثم ينام وهكذا ، أنا متأكد أن هؤلاء الأشخاص هم سبب تأخرنا عن الغرب . وبما أنني وعدتكم بالصراحة سأتحدث ، أنا مصاب بعقدة صغيرة تسمى الخجل رغم وقاحتي إلا إنني مصاب بهذه العقدة وأبي هو السبب الرئيسي لمصابي هذا . ومصيبة هذا الرجل انه لا يفكر بوالدتي إلا عندما يرانا ، وأنا لا اعلم هل ملامحنا تحرضه على الجنس ، ولكنه لا يصرح رسمياً بأنه يريد ان يضاجعها أمامنا ، هو يلمح لها بقوله اذهبي إلى الغرفة ! وكي أكون منصفاً أمي أيضا ساعدت على ترسبات هذه العقدة . فعندما يقول لها والدي أذهبي إلى الغرفة . تقول له : ماذا تريد ؟ كان بودي أن اصرخ بوجهها وأقول : أذهبي رأفةً بنا نحن الأطفال إن مثل هذه الأمور يجب أن لا تحدث أمام المجتمع الدولي ، اذهبي إلى الغرفة فأبي يريد أن يصحح لك الواجب فقط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق